اهتمام الصحابة الكرام بالحديث الشريف :-
1- أحب الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – حديث رسول الله كما أحبوا صاحبه ، وأقبلوا على تعلمه كما أقبلوا بأجسادهم وأرواحهم على صاحبه .
2- وقد بلغ من حب الصحابة الكرام لحديث رسول الله حرصهم على سماعه وتناوبهم على ذلك : قال مصطفى السباعي في كتابه : ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 56 ، 57 ) ... " وقد بلغ من حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسه يوماً بعد يوم ... بل كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ؛ ليسأل رسول الله عن حكم شئ ثم يرجع لا يلوي على شئ ... وكان من عادتهم أن يسألوا زوجات النبي . "
3- روى البخاري في صحيحه ( كتاب العلم ، باب التناوب في العلم 1 : 167 ) قوله عمر بن الخطاب : " كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد – أي ناحية بني أمية – وهو من عوالي المدينة – وكنا نتناوب النزول على رسول الله ينزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك " .
4- ومن اهتمام الصحابة أيضاً بالحديث الشريف الرحلة في طلبته . روى البخاري في صحيحه : ( كتاب العلم ، باب الخروج في طلب العلم 1/158) قال : ورحل جابر بن عبد الله ميسرة شهرا إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد .
5- ومن اهتمام الصحابة بطلب الحديث : الحضور لمجالس الحديث مع الإنصات التام ، والسؤال عما لم يفهموا ، أو المراجعة في الأمور المشكلة للمعرفة والفهم ، والمعايشة للنبي أو المكث عنده فترة زمنية أو بصفة دائمة للتربية والتعليم ، كذلك سماع ما يفوتهم من أقرانهم ممن هو أحفظ منهم ، ونبوغ أو تعمق البعض في فقه أو حفظ باب أو أكثر من أبواب الحديث تبعاً للاستعداد أو الاهتمام ، وكذا كتابة الحديث وحفظ ما أخذوه عن رسول الله بواسطة المذاكرة وبواسطة التطبيق والتنفيذ ، وتبليغ ما أخذوه عن رسول الله إلا ما نهاهم عن تبليغه ... إلى غير ذلك (1) .
6- ولم يكن حفظ الصحابة الكرام لحديث رسول الله وروايته حفظ ورواية الذي لا يبالي بما حفظ أو روى ، بل كان إجلالهم لحديث رسول الله هو ديدنهم ودأبهم .
7- روى ابن ماجه في ( سننه 1 : 10 ، 11 ) قال عمرو بن ميمون ما أخطأ ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه ، قال فما سمعته يقول بشيء قط ، قال رسول الله ، فلما كان ذات عشية قال : قال رسول الله قال فنكس ، قال : فنظرت إليه فإذا هو قائم محللة أزرار قميصه ، قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه قال : أو دون ذلك ، أو فوق ذلك أو قريبا من ذلك ، أو شبها بذلك " .
8- روى الطبراني في الكبير ورجاله ثقات قال " عن أبى إدريس الخولانى قال : رأيت أبا الدرداء إذا فرغ من الحديث عن رسول الله - قال : هذا ، أو نحوه أو شكله" (1) .
9- ولقد كان الصحابة الكرام يتثبتون من الأخبار التي تروى لهم ويطلبون الشهادة على صحتها كما فعل أبو بكر ومن بعده عمر ، وعثمان ، وعليّ .
روى الذي في كتابه ( تذكرة الحفاظ ) وأخرجه مالك في: الموطأ 2: 315 . أن الجدة جاءت إلى أبى بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئاً , ثم سأل الناس فقام الغيرة فقال : سمعت رسول الله يعطيها السدس فقال له : هل معك أحد ؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك ، فأنفذه لها أبو بكر .
5- إجلال التابعين فمن بعدهم :لحديث رسول الله :-
1- وكما أجل الصحابة الكرام ، حديث رسول الله وأولوه غاية عنايتهم ، وجل اهتمامهم ، فقد جاء التابعون ينسجون على منوال الصحابة ، وينهجون نهجهم في إجلال حديث رسول الله .
2- ذكر ابن كثير في ترجمته لسعيد بن المسيب في ( البداية والنهاية 5 : 134 ) قال : كان سعيد بن المسيب من أكثر الناس أدباً في الحديث جاءه رجل وهو مريض فسأله عن حديث فجلس فحدثه ، ثم اضطجع ، فقال الرجل : وددت أنك لم تتعنت ، فقال إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله , وأنا مضجع " .
3- وذكر السيوطي في ( مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة ص 83 ) قال : كان الإمام مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه ، و سرح لحيته ، وتمكن من جلوسه بوقار وهيبة ، وحدث ، فقيل له في ذلك فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله ولا أحدث إلا على طهارة متمكناً .
4- وهذا هو سيد الحفاظ البخاري كما ذكر ابن الجوزي في ( صفة الصفوة ج2 ص 789 ) قال : قال البخاري : ما وضعت في كتاب " الصحيح " حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك ، وصليت ركعتين " .
5- وذكر الخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ج1 ص 283 "قال سفيان بن سعيد الثوري : " ما شئ أخوف عندي منه يعنى الحديث ، وما من شئ يعدله إذا أريد به الله " .
6- وذكر السيوطي في ( مفتاح الجنة ص 84 ) قال : قال بشر بن الحارث سأل رجل ابن المبارك عن حديث وهو يمشى فقال " ليس هذا من توقير العلم " .
وقال ابن المبارك : " كنت عند مالك وهو يحدث فجاءت عقرب فلدغته ست عشرة مرة ، ومالك يتغير لونه ويتصبر ، ولا يقطع حديث رسول الله ، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس قلت له : لقد رأيت منك عجباً ، قال نعم : إني صبرت إجلالاً لحديث رسول الله " ومثله روى عن البخاري.
7- ولقد علم هؤلاء الفضلاء أن الحديث طريق إلى الجنة ، وقد يكون طريقاً إلى النار ، لذا كان خوفهم من الكذب فيه .
قال الخطيب في ( اقتضاء العلم العمل ص 86 وما بعدها ) :
* وقال يحيى بن سعيد : ما أخشى على سفيان شيئاً في الآخرة إلا حبه للحديث .
* وقال شعبة : ما أنا عقيم على شئ أخاف أن يدخلني النار غيره – يعنى الحديث .
· وقال بشر بن الحارث " مالي وللحديث إنما هو فتنة إلا من أراد الله به " .
8- ولا عجب في ذلك فإن علماء الحديث كانوا يردون رواية من كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ولو مرة واحدة .
قال أحمد شاكر في ( الباعث الحثيث ص 85 ) قال أبو المظفر السمعاني : " من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه " ومن العلماء من كفر متعمد الكذب في الحديث النبوي ، ومنهم من يحتم قتله "
وهذا ما جعل هؤلاء العلماء يتخوفون من رواية الحديث .
9- ومن إجلالهم – كذلك – للحديث تأدبهم له واستعدادهم لطلبه بالتجرد له ، والتمرس بالعبادة والإخلاص فيها أولاً .
قال ابن الصلاح في ( مقدمة في علوم الحديث ص (61 ) :
قال سفيان الثوري : " كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة " .