TouDerT-i3zan المديرة العام للمنتدى
عدد المساهمات : 761 نقاط : 4789 تاريخ التسجيل : 09/11/2010 العمر : 38 الموقع : toudert.com
| موضوع: تفسير سورة مريم .. الخميس أكتوبر 13, 2011 4:49 am | |
| تفسير سورة مريم .. { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ْ} تدل على كمال قدرة الله تعالى، وعلى أن الأسباب جميعها، لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله، فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية، لئلا يقفوا مع الأسباب، ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها { وَرَحْمَةً مِنَّا ْ} أي: ولنجعله رحمة منا به، وبوالدته، وبالناس. أما رحمة الله به، فلما خصه الله بوحيه ومن عليه بما من به على أولي العزم، وأما رحمته بوالدته، فلما حصل لها من الفخر، والثناء الحسن، والمنافع العظيمة. وأما رحمته بالناس، فإن أكبر نعمه عليهم، أن بعث فيهم رسولا، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، فيؤمنون به، ويطيعونه، وتحصل لهم سعادة الدنيا والآخرة، { وَكَانَ ْ} أي: وجود عيسى عليه السلام على هذه الحاله { أَمْرًا مَقْضِيًّا ْ} قضاء سابقا، فلا بد من نفوذ هذا التقدير والقضاء، فنفخ جبريل عليه السلام في جيبها.
{ 22 - 26 ْ} { فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ} أي: لما حملت بعيسى عليه السلام، خافت من الفضيحة، فتباعدت عن الناس { مَكَانًا قَصِيًّا ْ} فلما قرب ولادها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، فلما آلمها وجع الولادة، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب، ووجع قلبها من قالة الناس، وخافت عدم صبرها، تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث، وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. وهذا التمني بناء على ذلك المزعج، وليس في هذه الأمنية خير لها ولا مصلحة، وإنما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل. فحينئذ سكن الملك روعها وثبت جأشها وناداها من تحتها، لعله في مكان أنزل من مكانها، وقال لها: لا تحزني، أي: لا تجزعي ولا تهتمي، فــ { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ْ} أي: نهرا تشربين منه. { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ْ} أي: طريا لذيذا نافعا { فَكُلِي ْ} من التمر، { وَاشْرَبِي ْ} من النهر { وَقَرِّي عَيْنًا ْ} بعيسى، فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة، وحصول المأكل والمشرب والهني. وأما من جهة قالة الناس، فأمرها أنها إذا رأت أحدا من البشر، أن تقول على وجه الإشارة: { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ْ} أي: سكوتا { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ} أي: لا تخاطبيهم بكلام، لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة، وإنما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد، أعظم شاهد على براءتها، .فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج، ودعواها أنه من غير أحد، من أكبر الدعاوى، التي لو أقيم عدة من الشهود، لم تصدق بذلك، فجعلت بينة هذا الخارق للعادة، أمرا من جنسه، وهو كلام عيسى في حال صغره جدا، ولهذا قال تعالى:
{ 27 - 33 ْ} { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ْ} أي: فلما تعلت مريم من نفاسها، أتت بعيسى قومها تحمله، وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها، فأتت غير مبالية ولا مكترثة، فقالوا: { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فًريًّا ْ} أي: عظيما وخيما، وأرادوا بذلك البغاء حاشاها من ذلك. { يَا أُخْتَ هَارُونَ ْ} الظاهر، أنه أخ لها حقيقي، فنسبوها إليه، وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء وليس هو هارون بن عمران أخا موسى، لأن بينهما قرونا كثيرة { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ْ} أي: لم يكن أبواك إلا صالحين سالمين من الشر، وخصوصا هذا الشر، الذي يشيرون إليه، وقصدهم: فكيف كنت على غير وصفهما؟ وأتيت بما لم يأتيا به؟. وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض، في الصلاح وضده، فتعجبوا - بحسب ما قام بقلوبهم - كيف وقع منها، فأشارت لهم إليه، أي: كلموه. وإنما أشارت لذلك، لأنها أمرت عند مخاطبة الناس لها، أن، تقول: { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ} فلما أشارت إليهم بتكليمه، تعجبوا من ذلك وقالوا: { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ْ} لأن ذلك لم تجر به عادة، ولا حصل من أحد في ذلك السن. . فحينئذ قال عيسى عليه السلام، وهو في المهد صبي: { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ} فخاطبهم بوصفه بالعبودية، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلها، أو ابنا للإله، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ْ} ومدعون موافقته. { آتَانِيَ الْكِتَابَ ْ} أي: قضى أن يؤتيني الكتب { وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ} فأخبرهم بأنه عبد الله، وأن الله علمه الكتاب، وجعله من جملة أنبيائه، فهذا من كماله لنفسه، ثم ذكر تكميله لغيره فقال: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ْ} أي: في أي: مكان، وأي: زمان، فالبركة جعلها الله فيَّ من تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله، فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته، وسعد به مصاحبه. { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ْ} أي: أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده، التي أجلها الزكاة، مدة حياتي، أي: فأنا ممتثل لوصية ربي، عامل عليها، منفذ لها، ووصاني أيضا، أن أبر والدتي فأحسن إليها غاية الإحسان، وأقوم بما ينبغي له، لشرفها وفضلها، ولكونها والدة لها حق الولادة وتوابعها. { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ْ} أي: متكبرا على الله، مترفعا على عباده { شَقِيًّا ْ} في دنياي أو أخراي، فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذللا، متواضعا لعباد الله، سعيدا في الدنيا والآخرة، أنا ومن اتبعني. فلما تم له الكمال، ومحامد الخصال قال: { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ْ} أي: من فضل ربي وكرمه، حصلت لي السلامة يوم ولادتي، ويوم موتي، ويوم بعثي، من الشر والشيطان والعقوبة، وذلك يقتضي سلامته من الأهوال، ودار الفجار، وأنه من أهل دار السلام، فهذه معجزة عظيمة، وبرهان باهر، على أنه رسول الله، وعبد الله حقا.
34 - 36 ْ} { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ْ} أي: ذلك الموصوف بتلك الصفات، عيسى بن مريم، من غير شك ولا مرية، بل قول الحق، وكلام الله، الذي لا أصدق منه قيلا، ولا أحسن منه حديثا، فهذا الخبر اليقيني، عن عيسى عليه السلام، وما قيل فيه مما يخالف هذا، فإنه مقطوع ببطلانه،.وغايته أن يكون شكا من قائله لا علم له به، ولهذا قال: { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ْ} أي: يشكون فيمارون بشكهم، ويجادلون بخرصهم، فمن قائل عنه: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علوا كبيرا. فــ { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ْ} أي: ما ينبغي ولا يليق، لأن ذلك من الأمور المستحيلة، لأنه الغني الحميد، المالك لجميع الممالك، فكيف يتخذ من عباده ومماليكه، ولدا؟! { سُبْحَانَهُ ْ} أي: تنزه وتقدس عن الولد والنقص، { إِذَا قَضَى أَمْرًا ْ} أي: من الأمور الصغار والكبار، لم يمتنع، عليه ولم يستصعب { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ْ}فإذا كان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي، فكيف يكون له ولد؟".وإذا كان إذا أراد شيئا قال له: { كُن فَيَكُونُ ْ} فكيف يستبعد إيجاده عيسى من غير أب؟!. ولهذا أخبر عيسى أنه عبد مربوب كغيره، فقال: { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ْ} الذي خلقنا، وصورنا، ونفذ فينا تدبيره، وصرفنا تقديره. { فَاعْبُدُوهُ ْ} أي: أخلصوا له العبادة، واجتهدوا في الإنابة، وفي هذا الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والاستدلال بالأول على الثاني، ولهذا قال: { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ْ} أي: طريق معتدل، موصل إلى الله، لكونه طريق الرسل وأتباعهم، وما عدا هذا، فإنه من طرق الغي والضلال.
{ 37 - 38 ْ} { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ْ} لما بين تعالى حال عيسى بن مريم الذي لا يشك فيها ولا يمترى، أخبر أن الأحزاب، أي: فرق الضلال، من اليهود والنصارى وغيرهم، على اختلاف طبقاتهم اختلفوا في عيسى عليه السلام، فمن غال فيه وجاف، فمنهم من قال: إنه الله، ومنهم من قال: إنه ابن الله.ومنهم من قال: إنه ثالث ثلاثة.ومنهم من لم يجعله رسولا، بل رماه بأنه ولد بغي كاليهود..وكل هؤلاء أقوالهم باطلة، وآراؤهم فاسدة، مبنية على الشك والعناد، والأدلة الفاسدة، والشبه الكاسدة، وكل هؤلاء مستحقون للوعيد الشديد، ولهذا قال: { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ْ} بالله ورسله وكتبه، ويدخل فيهم اليهود والنصارى، القائلون بعيسى قول الكفر. { مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ْ} أي: مشهد يوم القيامة، الذي يشهده الأولون والآخرون، أهل السماوات وأهل الأرض، الخالق والمخلوق، الممتلئ بالزلازل والأهوال، المشتمل على الجزاء بالأعمال، فحينئذ يتبين ما كانوا يخفون ويبدون، وما كانوا يكتمون. { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ْ} أي: ما أسمعهم وما أبصرهم في ذلك اليوم!. فيقرون بكفرهم وشركهم وأقوالهم، ويقولون: { ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ْ} ففي القيامة، يستيقنون حقيقة ما هم عليه.
| |
|