ما إن يبدأ العد العكسي لاقتراب العيد الكبير، حتى يبدأ هاجس التفكير في توفير الأضحية ومستلزمات العيد ومتطلباته من كسوة الأهل والابناء.. إلا أن هذه المتطلبات تكون بردا وسلاما على فئة، بينما تكون همّا وغمّا على فئة أخرى هي فئة المكرّدين، الذين اضطركثير منهم هذه الأيام إلى بيع أثاثهم وتلفزيوناتهم وثلاجاتهم في الجوطيات حتى يُوفروا ثمن كبش العيد. ولجأ آخرون إلى رهن مجوهوات زوجاتهم.. فيما لا تزال عائلات كثيرة تنتظر ما تجود به الأيام لأنها لا تملك أثاثا لتبيعه ولا مجوهرات لترهنها.
هؤلاء هم عامة الشعب، يفضّلون اللجوء إلى بيع ممتلكاتهم على أن يقترضوا الأموال ويكلفوا أنفسهم ما لا طاقة لهم به، كأن يفعلوا مثلما فعل جحا الذي أطل علينا هذه الأيام عبر وسائل الإعلام ليخبرنا بأنه تسلّف المال من البنك ليشتري به أضحية العيد، ويدعونا لأن نقتدي به ونفعل مثله، وهو الآن مسرور لأنه سَيُعيّدُ بالحاضر، ومسرور أكثر لأنه سيؤدّي دَيْنه بالخاطر، أي على وُسْعَا… (بشاخ.. مول لحانوت ماغاديش ايتخلص فلكريدي هاد الشهر.... مولف كايصبر....).
عندما يقترب العيد الكبير، تنشط حركة البيع والشراء عند بائعي الأسلحة البيضاء والمِقدات والشوايات والمجامير وكل لوازم العيد.. كما تُفتتح "بوكاديوسات" خاصة بالخرفان، منها القارة ومنها المتجولة، وهي عبارة عن أعشاش (أو برّاكات) وسط الدروب والأزقة بالأحياء الشعبية، تبيع الفاخر والفصة والشمندر والقمح والشعير والحِبال…كما يكثر النصب والإحتيال أيضا في هذه الأيام، إذ يلجأ الشناقة إلى استخدام بعض القوالب التي يهدفون من ورائها إلى خداع المشتري حيث يعمدون مثلا إلى جعل الأكباش تلحس كميات كبيرة من الملح لتشرب أكبر قدر من المياه قبيل عرضها في الأسواق، مما يجعلها تبدو سمينة لتغري الناس بشرائها،ومنهم من ينفخ الأكباش بالبومبا.. مما يؤدي –غالبا- إلىموت الكبش… وكلما اقترب العيد ارتفعت أسعار الأضاحي، وارتفعت معها أيضا أثمنة تذاكر السفر بشكل صاروخي…
وعلى ذكر هذه الأخيرة، ففي مدينة فاس مثلا، لم أعد أسمع في أوساط المنحدرين من المناطق البعيدة إلا مثل هذه الأسئلة: " واش قطـّعتي الورقة ولاّ مازال؟".. "إزْدْ تْـبّيتْ تاوْريقتْ نِغدْ أُورْتا ؟" (اس راتسكرت ديريكت..)... وأعرف الكثيرين من أبناء تارودانت وأكادير وأيت باها سارعوا إلى قبض الصف أمام وكالات الأسفار منذ بداية الشهر الجاري ليحجزوا تذاكر السفر عبر الحافلات قبل أن تنفذ أو بالأحرى قبل أن تتضاعف أثمنتها.
بوتحنوت