هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداك • الرجوع الى صفحة بيانات التصميم
حلم حياتي .....*الجزء الخامس عشر*
صفحة 1 من اصل 1
حلم حياتي .....*الجزء الخامس عشر*
الجزء الخامس عشر*
(ماذا أفعل؟)
كان هذا اصعب موقف تمر به وعد في حياتها..أصعب امتحان لها..ونطقها للكلمات التالية ستحدد مصيرها ولن يكون لها رجعة..اما احلامها هي او احلام هشام..أحست بشلل تفكيرها لا يمكنها ان تتحدث وهي ترى نظرات الحب والحنان التي يغمرها بها هشام..تشعر بأنها ستكون انانية لو رفضت حب شاب أحبها بكل اخلاص..وتتسبب في جرح مشاعره من أجلها هي..أليست هذه انانية منها..ان تسبق سعادتها على سعادة غيرها؟..
ولكن لا..انها حقا تفكر في سعادة هشام ايضا..فلو انها تزوجت شخصا وهي لا تحبه سيكون هذا ظلم وتعاسة له..لن تحقق له السعادة التي يتمناها لو انها لا تبادله المشاعر ..ثم ماذا عن طارق؟..
طارق؟؟..ما الذي أتى بطارق في ذهني الآن..ما الذي يربط بين طارق وبين هذا الموضوع؟..أحقا افكر انني سأتخلى عن طارق ومشاعري تجاهه لو انني تخليت عن احلامي ومشاعري ..وحققت احلام هشام؟..يا الهي أي حيرة هي هذه؟؟..
وعندما شعر هشام بأن صمت وعد قد طال أكثر من اللازم..قال بلهفة واهتمام: اجيبيني يا وعد..تحدثي..قولي أي شيء..لا تظلي صامتة هكذا..فصمتك هذا يكاد يقتلني..
توترت وعد وهي تتطلع الى هشام..والتقطت نفسا عميقا قبل ان تزيح كفه عن ذقنها بهدوء وتقول بشحوب: حسنا..انا اعلم انك تحبني منذ زمن..
قال هشام بذهول وهو يتتطلع اليها: تعلمين؟؟..
قالت وهي تحاول ان تبدوا لهجتها طبيعية: أجل ..أعلم ..كما أحبك انا تماما ..
كاد قلب هشام ان يرقص فرحا..كاد ان يقفز من شدة سعادته..كاد ان يحلق بالهواء وهو يسمع عبارتها السابقة ..لولا ان اردفت: كأخ لي تماما..
تطلع اليها هشام كالمصعوق ومن ثم قال: كأخ؟؟..ومن قال اني أحبك كأخت لي..أنا احبك يا وعد..وأتمناك شريكة لحياتي ..الا تفهمين؟؟..
قالت وعد بابتسامة مصطنعة: ولكنك أخي..
قال هشام بغضب: أنا لست أخاك..الا زلت تظنين ذلك؟..ألا زلت تلك الطفلة الحمقاء التي تظنني أخاها؟؟..
قالت وعد بهدوء: بل انت أخي..انت وفرح شقيقاي التي لم تلدهما والدتي ..لقد عشنا سويا..ترعرعنا معا..كأخوة تماما..
أمسك هشام بكتفيها بحدة وقال بعصبية: وعد..لا تثيري جنوني أكثر من هذا..أنا لست شقيقك ولن أكون..الا تفهمين؟..أنا أحبك بكل ما أملك من مشاعر..واتمناك لترافقيني بقية حياتي..اتمناك ان تكوني الى جواري الى الابد..أنا احبك يا وعد..لم لا تصدقين؟..
قالت وعد وهي تتطلع الى هشام: اصدقك يا هشام..ولكن لكل منا امنياته واحلامه التي يتمنى تحقيقها..أنا لن احقق لك السعادة التي تتمناها صدقني..لاني سأظل أحبك كأخ طوال عمري..هل تقبل ذلك يا هشام؟..ان تتزوج فتاة وهي تعتبرك كأخ لها..وحتى ان قبلتها انت..أنا لن اقبلها..لانك عزيز علي كثيرا..
صمت هشام وهو يشعر بغضبه يتضاعف..وبآلامه تزداد ..كيف يتركها وهي حبيبة قلبه..أغلى انسانة لديه في هذا الوجود..بدونها يشعر انه تائه.. ضائع في عالم لا يعرفه ..يشعر انه انسان لا معنى له .. بقربها يشعر بالسعادة وبالحنان ..وبأن الحياة هي نبضات قلبها والسعادة هي ابتسامتها والدفء هي لمسة من كفها ..ان نبضات قلبه تهتف باسمها ..انفاسه تشهد بحبه لها ..انها من عاش بقربها سنوات عمره التي مضت ..تضاعف حبه لها كلما رآها تكبر أمام عينيه ..ولكنها لم تشعر به ابدا..وحتى عندما أعلن لها بمشاعره رفضت مشاعره..لا يستطيع ان يتخلى عنها او ينساها مهما فعلت..انها وعد..حبه الوحيد..حلمه الذي عاش ليالي من الألم لأجله..انها حلم حياته..
وشعرت وعد في هذه اللحظة بالمرارة التي يتجرعها هشام .فقالت وهي تتنهد: هشام..هل اسألك سؤالا؟..
لم يجبها واكتفى بنظرة لوم وعتاب..فقالت وهي تتحاشى نظراته: لو ان الوضع قد اختلف..وانت من كان يعتبرني مجرد أخت له..هل كنت ستتخلى عن أحلامك وحياتك لأجلي؟..
ظل هشام صامتا..فالتفتت له وعد وقالت: ارجوك أجبني..لو كنت انا من يحبك..هل ستتخلى عن كل شيء لأجلي؟..
قال هشام بعصبية: لا استطيع التفكير في شيء..ارجوك يا وعد اصمتي..
قالت وعد وهي تعقد ساعديها امام صدرها: لا لن اصمت ..عليك ان تفهم الموقف على شكله الصحيح ..ولا تظن انني اظلمك ..على العكس انا بهذا افعل ما هو في صالحك ..لو تجاهلت مشاعري تجاهك اليوم..فلن استطيع ذلك غدا او بعد غد ..اريدك ان تفهم يا هشام..انك اكثر من أخ بالنسبة لي ..انك الشخص الوحيد الذي اثق به.. واطلعه على جميع مشاكلي..لهذا لا اريد ان اكون سببا في آلامك ..هشام انا اتمنى ان تتزوج من فتاة تحبها وتحبك هي بكل صدق وبكل مشاعرها واحاسيسها..فعندها فقط تستطيع ان تحقق لك احلامك والسعادة التي لطالما تمنيتها..
قال هشام بسخرية مريرة: أجل صحيح انت لاتظلميني ابدا..ولن تسببي لي أي الم او مرارة بكلماتك هذه..انك تقتليني ببطءيا وعد ان كنت لا تشعرين بذلك الى الآن..
قالت وعد وهي تتنهد مرة اخرى بحرارة: قد تكون كلماتي لك قاسية الآن او جارحة..ولكنها ليست كلمات خادعة..على الاقل ان اخبرك بالحقيقة التي ستجعلك تحيا حياتك من دوني..ولا ادعك تحيا في خديعة..لن تلتئم جراحها طوال الدهر كله..
قال هشام وهو يشعر بقبضة باردة تعتصر قلبه و يحاول ابتلاع تلك الغصة المريرة التي امتلأ بها حلقه : بل ان كلامتك لي الآن هي التي ستظل جراحا لن تلتئم ابدا يا وعد..
قالت وعد وهي تتطلع اليه برجاء: ماذا تريدني ن افعل يا هشام؟ ..اخبرني ارجوك..اتريدني ان اخدعك؟..ان اكذب واقول اني أحبك واني اوافق ان اكون شريكة لحياتك ..اتريدني ان اجعلك تكرهني وتكره حياتك معي وانت لا ترى مني أي مشاعر او تجاوب معك في كل هذه المشاعر الكبيرة التي تحملها لي..اتريدني ان أكون سببا في آلامك طوال عمرك..وانت الذي لم تتسبب في آلامي يوما..لهذا لا اريد ان اؤذيك..لا اريد ان اخدعك..هل فهمت ما قلته يا هشام؟..
طعنات كالخناجر كان يشعر بها هشام في صدره وقلبه كلما واصلت وعد كلماتها..لماذا لا تصمت؟..الا تعلم ان كل حرف تنطق به كالسكين التي تغرز في قلبه..الا تعلم ان نبتة حبه لها التي اخذ يسقيها طوال عشرون عاما لتنمو تكاد تذبل بكل برود بكلماتها القاتلة له ..فالتكذب ..فالتخدعه..ولكن لا تقول انها لا تحبه و لا تفكر به..وانه لاشيء في حياتها..سوى اخ...أخ...
شعر بالدماء تكاد تنفجر من عروفه..وتلك الكلمة تتردد في ذهنه..لم تفعلين بي هذا يا وعد؟..اتفرحين وانت تريني أنهار امام ناظريك؟..وسمع صوت وعد في تلك اللحظة تقول وهي تضع كفها على كتفه بهدوء: لا اريد ان ارى هذه النظرة في عينيك يا هشام..لقد كنت صلبا دائما..ولا تزال..ازل هذه النظرة من عينيك وانسى فتاة حمقاء تدعى وعد ..اتفقنا؟..
قال هشام وهو يزيح كفها عن كتفه بخشونة ويلتفت عنها: فلنعد الى المنزل الآن..فلاداعي لمكوثنا هنا وقت اكبر ..فكل شيء قد انتهى..
سارت وعد خلفه وهي تعلم بالألم الذي خلفته في قلب هشام..ولكن هذا هو الواقع..وعليه ان تأخذ الامور مجراها الصحيح..
في رأيكم انتم..اتعتبرون مافعلته وعد صحيحا ام خاطئا؟..هل اخطئت عندما جرحت مشاعره وآذته بكلماتها؟..ام فعلت الصواب عندما قررت ان لا تخدعه بمشاعر زائفة ؟...
*********
لم يعرف عماد بم يبدأ الحديث وهو يجلس في ذلك المطعم مع ليلى..يشعر انه قد تسرع أكثر من اللازم في دعوتها..وانه لم يتوجب عليه ان يدعوها وهو لا يعرف عنها شيئا بعد..ترى هل أخطأ بذلك؟..لم يُعرف يوما بالتسرع...فلماذا قد تسرع الآن؟..هل هي اللهفة لمحادثة ليلى؟..أم كان الخوف من مغادرتها للشركة دون ان يحظى ولو بدقائق لمحادثتها؟..
ولم يجد ما يقوله لها وهو يراها تشرب العصير بهدوء سوى : هل أعجبك المطعم؟..
يعلم انه سؤال سخيف لبدء الحديث بينهما..لكنه لم يجد غيره..فقالت ليلى وهي رفع رأسها اليه: أجل..انه مطعم جيد جدا..
قال عماد بابتسامة خافتة: سعيد انه قد نال اعجابك..
دقيقة صمت مرت بينها وكلاهما مكتف بالنظر لما تحويه الطاولة او لما حوله..وشعر عماد بالضيق من هذا الصمت الذي غلفهما..هل جاءا الى هنا ليتطلعا الى محتويات هذا المطعم؟..
وقال محاولا قطع هذا الصمت مرة أخرى: مصادفة غريبة ان نكون نحن الأثنين نفضل عصير الليمون..
قالت ليلى موافقة: صحيح..
مرة أخرى يعود الصمت ليغلف المكان..ولكن في هذه المرة قطعته ليلى وهي تقول: لقد تأخرت..وأرغب في العودة..
قال عماد بخيبة أمل: كما تشائين..فلننهض..
قالها ونهض من مكانه..وهو يشعر بسخف موقفه معها..ماذا يدور في ذهنها الآن عنه..ياله من أحمق..غبي..كل ما استطاع فعله طوال جلوسه معها هو النظر الى ارجاء المطعم..عليه ان يفعل شيئا..أن يصلح من موقفه معها على الأقل..أجل ..عليه ان يعبر لها عن مشاعره ولو بشيء ضئيل...
**********
طرقات على باب غرفة هشام..سمعها هذا الأخير وهو يستلقي على فراشه ويستعيد كل لحظة قضاها مع وعد..منذ عشرون عاما حتى اللحظة..يشعر انه طوال عشرون عاما لم يتمسك الا بالهواء..ظن انه قد امسك بحلمه..تمسك ولو بالقليل منه..لكنه لم يكن يمسك طوال الوقت الا بالهواء..بذرات الغبار التي تسربت من بين اصابعه لتحلق مع حلمه في هذا الفضاء..تبا للحب..تبا لقلبي الذي لم يتعلق الا بفتاة حطته دون ان تكترث..
وعادت الطرقات على بابه..فقال بصوت عصبي بعض الشيء: من؟..
قالت فرح بصوت قلق: هشام ماذا هناك منذ ان خرجت وعدت وانت تقفل على نفسك الباب..ما الذي حدث؟..
قال هشام بعصبية أكبر: دعيني وحدي الآن يا فرح..ارجوك..
قالت فرح برجاء: لكن ما الذي حدث لكل هذا؟..أخبرني..
- لم يحدث شيء..فقط دعيني وحدي..
قالت فرح وهي تتعمد الضغط على كلماتها: هل ذهبت لوعد؟..
صمت هشام ولم يعلق..فأستطردت فرح قائلة: افتح الباب وأخبرني بما حدث بينكما..ربما استطيع ان افعل شيئا..
تنهد هشام وقال: لن يمكنك فعل شيء..فقط غادري ودعيني وحدي..
قالت فرح بألأم لحالة شقيقها: والى متى ستظل تسجن نفسك في غرفتك و تر...
قاطعها هشام قائلا بنفاذ صبر: ارجوك يا فرح يكفي..دعيني وحدي ..ولأمت ان كان هذا سيريحك..
شعرت فرح انه لافائدة ترجى من هذا النقاش..وابتعدت عن غرفته وهي تشعر بغصة في حلقها..ترى هل تستطيع ان تفعل شيء ما لتعيد هشام الى حالته الطبيعية؟..هل تستطيع أن تعيد ابتسامته المرحة التي لطالما رافقته أينما يكون؟..أم ان المرارة هي التي سيظل يتجرعها طوال عمره ؟..
**************
شردت وعد بذهنها بعيدا وهي تجلس على مكتبها بالصحيفة تتذكر أحداث الليلة الماضية..عندما اتصلت بها فرح حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف وقالت هذه الأخيرة بقلق: اهلا وعد..
قالت وعد وهي تتثائب اثر تعبها: ماذا هناك يا فرح؟..ما الذي دعاك للاتصال بي في وقت كهذا؟...
قالت فرح برجاء: ما الذي حدث بينك وبين هشام؟ ..اخبريني ..اتوسل اليك ..
رفعت وعد حاجبيها بدهشة ومن ثم قالت: ما الذي دعاك للظن ان هناك شيئا ما حدث بيني وبين هشام؟..
قالت فرح بتوتر: منذ ان أخبرته بجوابك..وانك لا تعتبرينه سوى اخ كما قلت لي..حتى تغيرت احواله تماما وقال لي انه سيفعل أي شيء لتكوني له..اخبرته انه لا فائدة مما يفعله..ولكنه لم يستمع لي..واليوم اراه يغادر المنزل ظهرا ويعود له وحالته قد انقلبت رأسا على عقب..اختفى الاصرار من عينيه ولم ارى فيهما سوى اليأس والمرارة..ثم لم يلبث ان دخل الى غرفته واغلق على نفسه الباب..ولم يخرج منها حتى الآن..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها بقلق: ربما كان مشغولا..او يرغب في الجلوس لوحده قليلا..
قالت فرح باصرار: بل هو يتألم بسببك..أخبريني ماذا قلت له؟؟..
قالت وعد بحيرة: فرح ماذا جرى لك؟..لماذا تحدثيني هكذا؟..
- لان شقيقي يتعذب بسببك وانت لا تشعرين به..اراه يقتل نفسه لأجلك وانت لا تملكين ذرة احساس لما يفعل..وأخيرا اراه على هذه الدرجة من الانهيار بسببك..ولهذا علي ان افعل أي شيء لاجل شقيقي..اتفهمين يا وعد؟؟..
ألجمت الدهشة لسان وعد للحظات قبل ان تلتقط انفاسها وتقول: لم يحدث شيء سوى انني فضلت ان اخبره بالحقيقة على ان أخدعه ..فضلت ان اخبره بأنني اعتبره كأخ لي تماما.. لا بل اكثر من اخ..على ان اجعله يندم ويكرهني طوال عمره لأنني خدعته بمشاعر لا وجود لها..افهمت ما فعلته؟ ..أخبريني انت ايهما الصحيح في نظرك ..أخدعه ام اصارحه بالحقيقة؟..
قالت فرح بحنق: لا افهم سوى ان شقيقي يتألم بسببك انت..
- فرح..ماذا جرى لك؟..الم تعودي تنظرين الى الامور على شكلها الصحيح؟..انني لا اصلح لشقيقك ابدا..ايعجبك ان اكذب عليه اذا ؟.. ام يعجبك ان اقتل احلامي من أجله؟ ..از ربما ان اعيشه في ندم طوال عمره لانه اختار فتاة لن تبادله مشاعره حتى وان اصبحت زوجته يوما؟..أخبريني أي الحلول تفضلين؟..
قالت فرح بعصبية: لا اريد الا ان ارى اخي بخير واراه يمرح ويبتسم كعادته دوما ..لو حدث لشقيقي شيء يا وعد ..فلن اسامحك ..اتسمعين..لن اسامحك ابدا....
(وعد..وعد..)
انتفضت وعد وهي تستفيق من شرودها وتلتفت الى ناطق العبارة السابقة..انه هو..طارق..لا يزال مصرا على منادتها بأسمها مجردا من أي القاب..ورفعت رأسها اليه لتقول: ماذا؟..
- انا اناديك منذ مدة..مالامر؟..
قالت وعد وهي تبتسم ابتسامة باهتة: صحيح..لم انتبه..كنت شاردة الذهن..
تطلع اليها طارق وقال: يبدوا ان هناك امرا هاما يشغل ذهنك..
قالت وعد بهدوء: شيئا كهذا..
قال طارق وهو يصطنع اللامباة : حسنا اذا استعدي فلدينا مهمة صحفية الآن..
قالت وهي تنهض من خلف مكتبها: لقاء صحفي ام حادث؟..
قال طارق وهو يغادر القسم: لقاء صحفي..
اسرعت تسير مغادرة القسم برفقة طارق الذي قال وهو يراها صامتة: هل الأمر الذي يشغل تفكيرك يسبب لك كل هذا الحيرة والقلق اللذان اراهما في عينيك؟..
ابتسمت وعد وقالت: لم اكن اعلم من قبل ان عيناي تصفان حالتي النفسية للجميع..
قال طارق بابتسامة وهما يدخلان الى المصعد: ليس للجميع..لمن يعرف لغة العيون فقط..
قالت وابتسامتها تتسع: ومن يعرف مثل هذه اللغة الغريبة؟..
قال طارق وهو يشير لها بسبابته: لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها..
ارتفع حاجبا وعد في تلك اللحظة باستغراب وحيرة شديدين..( لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها)..هذا لا يعني سوى امرا واحدا ان طارق مهتما بي..أحقا؟..يهتم بي انا..لااظن..انه لا يقوم بأي شيء يثبت اهتمامه بي ...ولكن ..المشاعر تُحس يا وعد ولا تُقال..فما فائدة المشاعر ان نطقت بها الشفاه ولم ينبض بها القلب..ألا تشعرين بأنه يبدي بعضا من الاهتمام نحوك؟..ثم حكايته مع مايا لماذا يخبرها لكِ؟..لمجرد انك تشبهينيها في تصرفاتها..لا هناك سببا آخر بكل تأكيد خلف اخباره لي حكاية مثل هذه..
والتفتت له لتترجم افكارها الى سؤال نطقت به شفتاها وهما يغادران المصعد الذي وصل لتوه للطابق الارضي: استاذ طارق..اريد ان اسألك..لم تخبرني بحكايتك مع مايا؟..ألمجرد انني اشبهها بشخصيتها وتصرفاتها؟..
هز طارق رأسه نفيا وقال: لا.. هناك سبب آخر ايضا..
قالت وعد متسائلة: هل لي ان اعرفه؟..
- ستعرفينه..عندما تنتهي الحكاية..
وظلا صامتين حتى غادرا مبنى الصحيفة الى حيث سيارة طارق وصعد اليها هذا الأخير وقال متسائلا عندما رأى وعد تقف في مكانها ولم تصعد: لم لا تصعدين؟..نحن ذاهبان في مهمة عمل ليس الا..
فتحت وعد باب السيارة بتردد قبل ان تصعد اليها..وقال طارق في تلك اللحظة: هذا وقت مناسب لاكمال الحكاية اليس كذلك؟..
قالت وعد وهي تلتفت له بابتسامة: بكل تأكيد..
قال طارق بهدوء بعد ان انطلق بالسيارة وهو يحاول العودة بذاكرته الى احداث مضت عليها ثمان سنوات تقريبا : ولقد فعلت ما وعدت به مايا تماما..لم احاول العودة الى صفوف تلك المجموعة من جديد..او الاقتراب من أي منهم..لم يكن يألمني شيء بالأمر برمته..سوى انني قد ابتعدت عن مايا..لم اعد اراها الا للحظات قليلة او في قاعات الدراسة عندما بدأ العام الجديد لنا بالجامعة..
وقد استغرب عدد من الزملاء ابتعادي المفاجئ عنهم ..ولكني تعللت بالانشغال ..وبالدراسة..ولكنهم ظلوا يصرون ان هناك امرا اخفيه عنهم..وانني لم اكن لابتعد عنهم الا لسبب طارئ جدا..
كنت اقضي طوال وقتي بمكتبة الجامعة..افعل أي شيء حتى لا التقي بهم..ولم اكن اعلم يومها بأن مايا قد ندمت على ما فعلت وعلى انها طلبت مني الابتعاد عنهم.. لم اكن اعلم انها تشعر بتأنيب الضمير وبالافتقاد لي..وخصوصا وانني كنت محبوبا من الجميع في المجموعة..وكان الجميع يشعرون بالافتقاد لحسي المرح ويعتقدون ان شخصا ما من المجموعة قد ضايقني ودفعني للابتعاد عنهم..لم اعلم كل هذا الا في وقت متأخر .. وبعد ست شهور تقريبا من بداية الجامعة عندما جاءت الي...
رأيتها تقف أمامي وانا اغادرالمكتبة..لم اصدق عيني ..لقد ظننت انه مجرد حلم وسأفيق منه قريبا..ولكنني سمعتها تقول بابتسامة شاحبة: هل يمكن ان نتحدث؟..
قلت بلا تردد: بالتأكيد..
وذهبنا سويا الى كافتيريا الجامعة وطوال جلوسنا حول احدى الطاولات لم تتحدث..وقد استغربت صمتها هذا فقلت بحيرة: مايا ماذا بك؟..هل ضايقك احدهم؟..ام وقعت بمشكلة ما؟..
رايتها تتطلع الي وتقول: بل انا من ضايق احدهم واوقعته بالمشاكل..
قلت باستغراب: ان كنت تعنيني انا..فلا تعتقدي اني قد تضايقت ابدا..فأنا من وعدك بالابتعاد..وانت لم تطلبي مني أي شيء..
قالت وهي تعض على شفتيها بمرارة: بل انا كنت سبب ابتعادك..لو لم اتضايق من وجودك بيننا لما ابتعدت عنا..لقد كنت انانية وسأظل انانية دوما ..لا افكر الا في نفسي ..قررت ابعادك عنا لمجرد انك كنت محبوبا من الجميع ..ارأيت فتاة اكثر انانية مني؟..
تطلعت اليها وقلت مبتسما: انا لا اعتبرها انانية..لانني قد دفعت الجميع لاهمال وجودك بعد ان كنت تحاطين بكل الاهتمام منهم..ولهذا كان من حقك ان تتضايقي من شخص اقتحم عليك حياتك وافسدها..
قالت مايا وهي تشعر بغصة في حلقها: أرأيت..انا المخطأة في كل شيء وعلى الرغم من هذا تحمل نفسك مسؤولية كل شيء..انا احتقر نفسي في كل ثانية وانا اراك تقول مثل هذا..
واردفت بصوت متحشرج: لم اشعر بالندم في حياتي..مثلما شعرت به عندما وجدتك تبتعد عنا..ولهذا جئت اليك اليوم..لاعتذر..واطلب منك العودة الينا من جديد..وان تطوي صفحة الماضي..ونبدأ معا حياة جديدة..
ظللت صامتا للحظة وانا افكر في كل ماقالته..لقد جاءت لتعتذر..لكن لماذا؟..ما الذي دعاها للاعتذار.شعورها بالندم..أم بتأنيب الضمير..ام انني قد اثرت شفقتها؟..وقلت وانا اعقد ساعداي امام صدري: هل هي شفقة منك؟..
قالت مايا في سرعة: ابدا..اقسم لك..
ظللت افكر في كل شيء دار بيننا منذ ان رأيتها لاول مرة..الى ان قررت الابتعاد عنهم..ومن ثم الآن..وهي تعتذر لي..وظنت هي ان صمتي تردد مني فقالت برجاء: أنا آسفة حقا..لم اقصد أن اتسبب لك بكل هذه المـ...
قاطعتها وانا أضع سبابتي على شفتي واقول: هذا يكفي يا مايا..انت زميلة عزيزة علي..ولا داعي للاعتذار..
رأيتها تطرق برأسها وتقول: هل هذا يعني انك ترفض ما طلبته منك؟..
قلت مبتسما: بل اوافق..
تطلعت الي بعينان متسعتان ومن ثم قالت بابتسامة واسعة: توافق؟؟..حقا؟؟..هل ستعود الى المجموعة من جديد..لقد افتقدتك كثيرا..
ورأيتها ترتبك وتردف في سرعة: اعني افتقدناك جميعا..
قلت مبتسما: واتمنى ان لا تندموا على افتقادكم لي بعد عودتي اليكم..
قالت مايا بسعادة او هذا ما هُيأ لي وقتها: بل جميع الزملاء سيفرحون بعودتك..
ومنذ ذلك اليوم وقد تغيرت حياتي كليا مع مايا...
صمت طارق للحظة فقالت وعد باصرار: حسنا وبعد..أكمل..
ابتسم طارق وقال وهو يلتفت لها: لقد وصلنا..
قالت وعد بضيق: الا تصل الا في لحظة مهمة كهذه؟..
اتسعت ابتسامة طارق وقال: اخشى ان تشعري بالملل من ما احكيه بعد فترة..
- على العكس لقد بت احيانا اتمنى ان يأتي الغد..لأسمع تتمة الحكاية..
قال طارق بهدوء: حسنا سأكملها لك بعد ان ينتهي اللقاء الصحفي..أعدك..
قالت وعد بابتسامة: اشكرك..
قالتها وهبطا من السيارة الى ذلك المصنع..ليبدآ بعمل اللقاء الصحفي...
ترى هل حقا تحركت مشاعر طارق تجاه وعد؟..
وما مصير هشام وحبه الكبير لوعد؟..
وماذا عن طارق ومايا؟..
كلها اسألة ستعلمون اجوبتها مع مرور الأيام..
(ماذا أفعل؟)
كان هذا اصعب موقف تمر به وعد في حياتها..أصعب امتحان لها..ونطقها للكلمات التالية ستحدد مصيرها ولن يكون لها رجعة..اما احلامها هي او احلام هشام..أحست بشلل تفكيرها لا يمكنها ان تتحدث وهي ترى نظرات الحب والحنان التي يغمرها بها هشام..تشعر بأنها ستكون انانية لو رفضت حب شاب أحبها بكل اخلاص..وتتسبب في جرح مشاعره من أجلها هي..أليست هذه انانية منها..ان تسبق سعادتها على سعادة غيرها؟..
ولكن لا..انها حقا تفكر في سعادة هشام ايضا..فلو انها تزوجت شخصا وهي لا تحبه سيكون هذا ظلم وتعاسة له..لن تحقق له السعادة التي يتمناها لو انها لا تبادله المشاعر ..ثم ماذا عن طارق؟..
طارق؟؟..ما الذي أتى بطارق في ذهني الآن..ما الذي يربط بين طارق وبين هذا الموضوع؟..أحقا افكر انني سأتخلى عن طارق ومشاعري تجاهه لو انني تخليت عن احلامي ومشاعري ..وحققت احلام هشام؟..يا الهي أي حيرة هي هذه؟؟..
وعندما شعر هشام بأن صمت وعد قد طال أكثر من اللازم..قال بلهفة واهتمام: اجيبيني يا وعد..تحدثي..قولي أي شيء..لا تظلي صامتة هكذا..فصمتك هذا يكاد يقتلني..
توترت وعد وهي تتطلع الى هشام..والتقطت نفسا عميقا قبل ان تزيح كفه عن ذقنها بهدوء وتقول بشحوب: حسنا..انا اعلم انك تحبني منذ زمن..
قال هشام بذهول وهو يتتطلع اليها: تعلمين؟؟..
قالت وهي تحاول ان تبدوا لهجتها طبيعية: أجل ..أعلم ..كما أحبك انا تماما ..
كاد قلب هشام ان يرقص فرحا..كاد ان يقفز من شدة سعادته..كاد ان يحلق بالهواء وهو يسمع عبارتها السابقة ..لولا ان اردفت: كأخ لي تماما..
تطلع اليها هشام كالمصعوق ومن ثم قال: كأخ؟؟..ومن قال اني أحبك كأخت لي..أنا احبك يا وعد..وأتمناك شريكة لحياتي ..الا تفهمين؟؟..
قالت وعد بابتسامة مصطنعة: ولكنك أخي..
قال هشام بغضب: أنا لست أخاك..الا زلت تظنين ذلك؟..ألا زلت تلك الطفلة الحمقاء التي تظنني أخاها؟؟..
قالت وعد بهدوء: بل انت أخي..انت وفرح شقيقاي التي لم تلدهما والدتي ..لقد عشنا سويا..ترعرعنا معا..كأخوة تماما..
أمسك هشام بكتفيها بحدة وقال بعصبية: وعد..لا تثيري جنوني أكثر من هذا..أنا لست شقيقك ولن أكون..الا تفهمين؟..أنا أحبك بكل ما أملك من مشاعر..واتمناك لترافقيني بقية حياتي..اتمناك ان تكوني الى جواري الى الابد..أنا احبك يا وعد..لم لا تصدقين؟..
قالت وعد وهي تتطلع الى هشام: اصدقك يا هشام..ولكن لكل منا امنياته واحلامه التي يتمنى تحقيقها..أنا لن احقق لك السعادة التي تتمناها صدقني..لاني سأظل أحبك كأخ طوال عمري..هل تقبل ذلك يا هشام؟..ان تتزوج فتاة وهي تعتبرك كأخ لها..وحتى ان قبلتها انت..أنا لن اقبلها..لانك عزيز علي كثيرا..
صمت هشام وهو يشعر بغضبه يتضاعف..وبآلامه تزداد ..كيف يتركها وهي حبيبة قلبه..أغلى انسانة لديه في هذا الوجود..بدونها يشعر انه تائه.. ضائع في عالم لا يعرفه ..يشعر انه انسان لا معنى له .. بقربها يشعر بالسعادة وبالحنان ..وبأن الحياة هي نبضات قلبها والسعادة هي ابتسامتها والدفء هي لمسة من كفها ..ان نبضات قلبه تهتف باسمها ..انفاسه تشهد بحبه لها ..انها من عاش بقربها سنوات عمره التي مضت ..تضاعف حبه لها كلما رآها تكبر أمام عينيه ..ولكنها لم تشعر به ابدا..وحتى عندما أعلن لها بمشاعره رفضت مشاعره..لا يستطيع ان يتخلى عنها او ينساها مهما فعلت..انها وعد..حبه الوحيد..حلمه الذي عاش ليالي من الألم لأجله..انها حلم حياته..
وشعرت وعد في هذه اللحظة بالمرارة التي يتجرعها هشام .فقالت وهي تتنهد: هشام..هل اسألك سؤالا؟..
لم يجبها واكتفى بنظرة لوم وعتاب..فقالت وهي تتحاشى نظراته: لو ان الوضع قد اختلف..وانت من كان يعتبرني مجرد أخت له..هل كنت ستتخلى عن أحلامك وحياتك لأجلي؟..
ظل هشام صامتا..فالتفتت له وعد وقالت: ارجوك أجبني..لو كنت انا من يحبك..هل ستتخلى عن كل شيء لأجلي؟..
قال هشام بعصبية: لا استطيع التفكير في شيء..ارجوك يا وعد اصمتي..
قالت وعد وهي تعقد ساعديها امام صدرها: لا لن اصمت ..عليك ان تفهم الموقف على شكله الصحيح ..ولا تظن انني اظلمك ..على العكس انا بهذا افعل ما هو في صالحك ..لو تجاهلت مشاعري تجاهك اليوم..فلن استطيع ذلك غدا او بعد غد ..اريدك ان تفهم يا هشام..انك اكثر من أخ بالنسبة لي ..انك الشخص الوحيد الذي اثق به.. واطلعه على جميع مشاكلي..لهذا لا اريد ان اكون سببا في آلامك ..هشام انا اتمنى ان تتزوج من فتاة تحبها وتحبك هي بكل صدق وبكل مشاعرها واحاسيسها..فعندها فقط تستطيع ان تحقق لك احلامك والسعادة التي لطالما تمنيتها..
قال هشام بسخرية مريرة: أجل صحيح انت لاتظلميني ابدا..ولن تسببي لي أي الم او مرارة بكلماتك هذه..انك تقتليني ببطءيا وعد ان كنت لا تشعرين بذلك الى الآن..
قالت وعد وهي تتنهد مرة اخرى بحرارة: قد تكون كلماتي لك قاسية الآن او جارحة..ولكنها ليست كلمات خادعة..على الاقل ان اخبرك بالحقيقة التي ستجعلك تحيا حياتك من دوني..ولا ادعك تحيا في خديعة..لن تلتئم جراحها طوال الدهر كله..
قال هشام وهو يشعر بقبضة باردة تعتصر قلبه و يحاول ابتلاع تلك الغصة المريرة التي امتلأ بها حلقه : بل ان كلامتك لي الآن هي التي ستظل جراحا لن تلتئم ابدا يا وعد..
قالت وعد وهي تتطلع اليه برجاء: ماذا تريدني ن افعل يا هشام؟ ..اخبرني ارجوك..اتريدني ان اخدعك؟..ان اكذب واقول اني أحبك واني اوافق ان اكون شريكة لحياتك ..اتريدني ان اجعلك تكرهني وتكره حياتك معي وانت لا ترى مني أي مشاعر او تجاوب معك في كل هذه المشاعر الكبيرة التي تحملها لي..اتريدني ان أكون سببا في آلامك طوال عمرك..وانت الذي لم تتسبب في آلامي يوما..لهذا لا اريد ان اؤذيك..لا اريد ان اخدعك..هل فهمت ما قلته يا هشام؟..
طعنات كالخناجر كان يشعر بها هشام في صدره وقلبه كلما واصلت وعد كلماتها..لماذا لا تصمت؟..الا تعلم ان كل حرف تنطق به كالسكين التي تغرز في قلبه..الا تعلم ان نبتة حبه لها التي اخذ يسقيها طوال عشرون عاما لتنمو تكاد تذبل بكل برود بكلماتها القاتلة له ..فالتكذب ..فالتخدعه..ولكن لا تقول انها لا تحبه و لا تفكر به..وانه لاشيء في حياتها..سوى اخ...أخ...
شعر بالدماء تكاد تنفجر من عروفه..وتلك الكلمة تتردد في ذهنه..لم تفعلين بي هذا يا وعد؟..اتفرحين وانت تريني أنهار امام ناظريك؟..وسمع صوت وعد في تلك اللحظة تقول وهي تضع كفها على كتفه بهدوء: لا اريد ان ارى هذه النظرة في عينيك يا هشام..لقد كنت صلبا دائما..ولا تزال..ازل هذه النظرة من عينيك وانسى فتاة حمقاء تدعى وعد ..اتفقنا؟..
قال هشام وهو يزيح كفها عن كتفه بخشونة ويلتفت عنها: فلنعد الى المنزل الآن..فلاداعي لمكوثنا هنا وقت اكبر ..فكل شيء قد انتهى..
سارت وعد خلفه وهي تعلم بالألم الذي خلفته في قلب هشام..ولكن هذا هو الواقع..وعليه ان تأخذ الامور مجراها الصحيح..
في رأيكم انتم..اتعتبرون مافعلته وعد صحيحا ام خاطئا؟..هل اخطئت عندما جرحت مشاعره وآذته بكلماتها؟..ام فعلت الصواب عندما قررت ان لا تخدعه بمشاعر زائفة ؟...
*********
لم يعرف عماد بم يبدأ الحديث وهو يجلس في ذلك المطعم مع ليلى..يشعر انه قد تسرع أكثر من اللازم في دعوتها..وانه لم يتوجب عليه ان يدعوها وهو لا يعرف عنها شيئا بعد..ترى هل أخطأ بذلك؟..لم يُعرف يوما بالتسرع...فلماذا قد تسرع الآن؟..هل هي اللهفة لمحادثة ليلى؟..أم كان الخوف من مغادرتها للشركة دون ان يحظى ولو بدقائق لمحادثتها؟..
ولم يجد ما يقوله لها وهو يراها تشرب العصير بهدوء سوى : هل أعجبك المطعم؟..
يعلم انه سؤال سخيف لبدء الحديث بينهما..لكنه لم يجد غيره..فقالت ليلى وهي رفع رأسها اليه: أجل..انه مطعم جيد جدا..
قال عماد بابتسامة خافتة: سعيد انه قد نال اعجابك..
دقيقة صمت مرت بينها وكلاهما مكتف بالنظر لما تحويه الطاولة او لما حوله..وشعر عماد بالضيق من هذا الصمت الذي غلفهما..هل جاءا الى هنا ليتطلعا الى محتويات هذا المطعم؟..
وقال محاولا قطع هذا الصمت مرة أخرى: مصادفة غريبة ان نكون نحن الأثنين نفضل عصير الليمون..
قالت ليلى موافقة: صحيح..
مرة أخرى يعود الصمت ليغلف المكان..ولكن في هذه المرة قطعته ليلى وهي تقول: لقد تأخرت..وأرغب في العودة..
قال عماد بخيبة أمل: كما تشائين..فلننهض..
قالها ونهض من مكانه..وهو يشعر بسخف موقفه معها..ماذا يدور في ذهنها الآن عنه..ياله من أحمق..غبي..كل ما استطاع فعله طوال جلوسه معها هو النظر الى ارجاء المطعم..عليه ان يفعل شيئا..أن يصلح من موقفه معها على الأقل..أجل ..عليه ان يعبر لها عن مشاعره ولو بشيء ضئيل...
**********
طرقات على باب غرفة هشام..سمعها هذا الأخير وهو يستلقي على فراشه ويستعيد كل لحظة قضاها مع وعد..منذ عشرون عاما حتى اللحظة..يشعر انه طوال عشرون عاما لم يتمسك الا بالهواء..ظن انه قد امسك بحلمه..تمسك ولو بالقليل منه..لكنه لم يكن يمسك طوال الوقت الا بالهواء..بذرات الغبار التي تسربت من بين اصابعه لتحلق مع حلمه في هذا الفضاء..تبا للحب..تبا لقلبي الذي لم يتعلق الا بفتاة حطته دون ان تكترث..
وعادت الطرقات على بابه..فقال بصوت عصبي بعض الشيء: من؟..
قالت فرح بصوت قلق: هشام ماذا هناك منذ ان خرجت وعدت وانت تقفل على نفسك الباب..ما الذي حدث؟..
قال هشام بعصبية أكبر: دعيني وحدي الآن يا فرح..ارجوك..
قالت فرح برجاء: لكن ما الذي حدث لكل هذا؟..أخبرني..
- لم يحدث شيء..فقط دعيني وحدي..
قالت فرح وهي تتعمد الضغط على كلماتها: هل ذهبت لوعد؟..
صمت هشام ولم يعلق..فأستطردت فرح قائلة: افتح الباب وأخبرني بما حدث بينكما..ربما استطيع ان افعل شيئا..
تنهد هشام وقال: لن يمكنك فعل شيء..فقط غادري ودعيني وحدي..
قالت فرح بألأم لحالة شقيقها: والى متى ستظل تسجن نفسك في غرفتك و تر...
قاطعها هشام قائلا بنفاذ صبر: ارجوك يا فرح يكفي..دعيني وحدي ..ولأمت ان كان هذا سيريحك..
شعرت فرح انه لافائدة ترجى من هذا النقاش..وابتعدت عن غرفته وهي تشعر بغصة في حلقها..ترى هل تستطيع ان تفعل شيء ما لتعيد هشام الى حالته الطبيعية؟..هل تستطيع أن تعيد ابتسامته المرحة التي لطالما رافقته أينما يكون؟..أم ان المرارة هي التي سيظل يتجرعها طوال عمره ؟..
**************
شردت وعد بذهنها بعيدا وهي تجلس على مكتبها بالصحيفة تتذكر أحداث الليلة الماضية..عندما اتصلت بها فرح حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف وقالت هذه الأخيرة بقلق: اهلا وعد..
قالت وعد وهي تتثائب اثر تعبها: ماذا هناك يا فرح؟..ما الذي دعاك للاتصال بي في وقت كهذا؟...
قالت فرح برجاء: ما الذي حدث بينك وبين هشام؟ ..اخبريني ..اتوسل اليك ..
رفعت وعد حاجبيها بدهشة ومن ثم قالت: ما الذي دعاك للظن ان هناك شيئا ما حدث بيني وبين هشام؟..
قالت فرح بتوتر: منذ ان أخبرته بجوابك..وانك لا تعتبرينه سوى اخ كما قلت لي..حتى تغيرت احواله تماما وقال لي انه سيفعل أي شيء لتكوني له..اخبرته انه لا فائدة مما يفعله..ولكنه لم يستمع لي..واليوم اراه يغادر المنزل ظهرا ويعود له وحالته قد انقلبت رأسا على عقب..اختفى الاصرار من عينيه ولم ارى فيهما سوى اليأس والمرارة..ثم لم يلبث ان دخل الى غرفته واغلق على نفسه الباب..ولم يخرج منها حتى الآن..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها بقلق: ربما كان مشغولا..او يرغب في الجلوس لوحده قليلا..
قالت فرح باصرار: بل هو يتألم بسببك..أخبريني ماذا قلت له؟؟..
قالت وعد بحيرة: فرح ماذا جرى لك؟..لماذا تحدثيني هكذا؟..
- لان شقيقي يتعذب بسببك وانت لا تشعرين به..اراه يقتل نفسه لأجلك وانت لا تملكين ذرة احساس لما يفعل..وأخيرا اراه على هذه الدرجة من الانهيار بسببك..ولهذا علي ان افعل أي شيء لاجل شقيقي..اتفهمين يا وعد؟؟..
ألجمت الدهشة لسان وعد للحظات قبل ان تلتقط انفاسها وتقول: لم يحدث شيء سوى انني فضلت ان اخبره بالحقيقة على ان أخدعه ..فضلت ان اخبره بأنني اعتبره كأخ لي تماما.. لا بل اكثر من اخ..على ان اجعله يندم ويكرهني طوال عمره لأنني خدعته بمشاعر لا وجود لها..افهمت ما فعلته؟ ..أخبريني انت ايهما الصحيح في نظرك ..أخدعه ام اصارحه بالحقيقة؟..
قالت فرح بحنق: لا افهم سوى ان شقيقي يتألم بسببك انت..
- فرح..ماذا جرى لك؟..الم تعودي تنظرين الى الامور على شكلها الصحيح؟..انني لا اصلح لشقيقك ابدا..ايعجبك ان اكذب عليه اذا ؟.. ام يعجبك ان اقتل احلامي من أجله؟ ..از ربما ان اعيشه في ندم طوال عمره لانه اختار فتاة لن تبادله مشاعره حتى وان اصبحت زوجته يوما؟..أخبريني أي الحلول تفضلين؟..
قالت فرح بعصبية: لا اريد الا ان ارى اخي بخير واراه يمرح ويبتسم كعادته دوما ..لو حدث لشقيقي شيء يا وعد ..فلن اسامحك ..اتسمعين..لن اسامحك ابدا....
(وعد..وعد..)
انتفضت وعد وهي تستفيق من شرودها وتلتفت الى ناطق العبارة السابقة..انه هو..طارق..لا يزال مصرا على منادتها بأسمها مجردا من أي القاب..ورفعت رأسها اليه لتقول: ماذا؟..
- انا اناديك منذ مدة..مالامر؟..
قالت وعد وهي تبتسم ابتسامة باهتة: صحيح..لم انتبه..كنت شاردة الذهن..
تطلع اليها طارق وقال: يبدوا ان هناك امرا هاما يشغل ذهنك..
قالت وعد بهدوء: شيئا كهذا..
قال طارق وهو يصطنع اللامباة : حسنا اذا استعدي فلدينا مهمة صحفية الآن..
قالت وهي تنهض من خلف مكتبها: لقاء صحفي ام حادث؟..
قال طارق وهو يغادر القسم: لقاء صحفي..
اسرعت تسير مغادرة القسم برفقة طارق الذي قال وهو يراها صامتة: هل الأمر الذي يشغل تفكيرك يسبب لك كل هذا الحيرة والقلق اللذان اراهما في عينيك؟..
ابتسمت وعد وقالت: لم اكن اعلم من قبل ان عيناي تصفان حالتي النفسية للجميع..
قال طارق بابتسامة وهما يدخلان الى المصعد: ليس للجميع..لمن يعرف لغة العيون فقط..
قالت وابتسامتها تتسع: ومن يعرف مثل هذه اللغة الغريبة؟..
قال طارق وهو يشير لها بسبابته: لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها..
ارتفع حاجبا وعد في تلك اللحظة باستغراب وحيرة شديدين..( لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها)..هذا لا يعني سوى امرا واحدا ان طارق مهتما بي..أحقا؟..يهتم بي انا..لااظن..انه لا يقوم بأي شيء يثبت اهتمامه بي ...ولكن ..المشاعر تُحس يا وعد ولا تُقال..فما فائدة المشاعر ان نطقت بها الشفاه ولم ينبض بها القلب..ألا تشعرين بأنه يبدي بعضا من الاهتمام نحوك؟..ثم حكايته مع مايا لماذا يخبرها لكِ؟..لمجرد انك تشبهينيها في تصرفاتها..لا هناك سببا آخر بكل تأكيد خلف اخباره لي حكاية مثل هذه..
والتفتت له لتترجم افكارها الى سؤال نطقت به شفتاها وهما يغادران المصعد الذي وصل لتوه للطابق الارضي: استاذ طارق..اريد ان اسألك..لم تخبرني بحكايتك مع مايا؟..ألمجرد انني اشبهها بشخصيتها وتصرفاتها؟..
هز طارق رأسه نفيا وقال: لا.. هناك سبب آخر ايضا..
قالت وعد متسائلة: هل لي ان اعرفه؟..
- ستعرفينه..عندما تنتهي الحكاية..
وظلا صامتين حتى غادرا مبنى الصحيفة الى حيث سيارة طارق وصعد اليها هذا الأخير وقال متسائلا عندما رأى وعد تقف في مكانها ولم تصعد: لم لا تصعدين؟..نحن ذاهبان في مهمة عمل ليس الا..
فتحت وعد باب السيارة بتردد قبل ان تصعد اليها..وقال طارق في تلك اللحظة: هذا وقت مناسب لاكمال الحكاية اليس كذلك؟..
قالت وعد وهي تلتفت له بابتسامة: بكل تأكيد..
قال طارق بهدوء بعد ان انطلق بالسيارة وهو يحاول العودة بذاكرته الى احداث مضت عليها ثمان سنوات تقريبا : ولقد فعلت ما وعدت به مايا تماما..لم احاول العودة الى صفوف تلك المجموعة من جديد..او الاقتراب من أي منهم..لم يكن يألمني شيء بالأمر برمته..سوى انني قد ابتعدت عن مايا..لم اعد اراها الا للحظات قليلة او في قاعات الدراسة عندما بدأ العام الجديد لنا بالجامعة..
وقد استغرب عدد من الزملاء ابتعادي المفاجئ عنهم ..ولكني تعللت بالانشغال ..وبالدراسة..ولكنهم ظلوا يصرون ان هناك امرا اخفيه عنهم..وانني لم اكن لابتعد عنهم الا لسبب طارئ جدا..
كنت اقضي طوال وقتي بمكتبة الجامعة..افعل أي شيء حتى لا التقي بهم..ولم اكن اعلم يومها بأن مايا قد ندمت على ما فعلت وعلى انها طلبت مني الابتعاد عنهم.. لم اكن اعلم انها تشعر بتأنيب الضمير وبالافتقاد لي..وخصوصا وانني كنت محبوبا من الجميع في المجموعة..وكان الجميع يشعرون بالافتقاد لحسي المرح ويعتقدون ان شخصا ما من المجموعة قد ضايقني ودفعني للابتعاد عنهم..لم اعلم كل هذا الا في وقت متأخر .. وبعد ست شهور تقريبا من بداية الجامعة عندما جاءت الي...
رأيتها تقف أمامي وانا اغادرالمكتبة..لم اصدق عيني ..لقد ظننت انه مجرد حلم وسأفيق منه قريبا..ولكنني سمعتها تقول بابتسامة شاحبة: هل يمكن ان نتحدث؟..
قلت بلا تردد: بالتأكيد..
وذهبنا سويا الى كافتيريا الجامعة وطوال جلوسنا حول احدى الطاولات لم تتحدث..وقد استغربت صمتها هذا فقلت بحيرة: مايا ماذا بك؟..هل ضايقك احدهم؟..ام وقعت بمشكلة ما؟..
رايتها تتطلع الي وتقول: بل انا من ضايق احدهم واوقعته بالمشاكل..
قلت باستغراب: ان كنت تعنيني انا..فلا تعتقدي اني قد تضايقت ابدا..فأنا من وعدك بالابتعاد..وانت لم تطلبي مني أي شيء..
قالت وهي تعض على شفتيها بمرارة: بل انا كنت سبب ابتعادك..لو لم اتضايق من وجودك بيننا لما ابتعدت عنا..لقد كنت انانية وسأظل انانية دوما ..لا افكر الا في نفسي ..قررت ابعادك عنا لمجرد انك كنت محبوبا من الجميع ..ارأيت فتاة اكثر انانية مني؟..
تطلعت اليها وقلت مبتسما: انا لا اعتبرها انانية..لانني قد دفعت الجميع لاهمال وجودك بعد ان كنت تحاطين بكل الاهتمام منهم..ولهذا كان من حقك ان تتضايقي من شخص اقتحم عليك حياتك وافسدها..
قالت مايا وهي تشعر بغصة في حلقها: أرأيت..انا المخطأة في كل شيء وعلى الرغم من هذا تحمل نفسك مسؤولية كل شيء..انا احتقر نفسي في كل ثانية وانا اراك تقول مثل هذا..
واردفت بصوت متحشرج: لم اشعر بالندم في حياتي..مثلما شعرت به عندما وجدتك تبتعد عنا..ولهذا جئت اليك اليوم..لاعتذر..واطلب منك العودة الينا من جديد..وان تطوي صفحة الماضي..ونبدأ معا حياة جديدة..
ظللت صامتا للحظة وانا افكر في كل ماقالته..لقد جاءت لتعتذر..لكن لماذا؟..ما الذي دعاها للاعتذار.شعورها بالندم..أم بتأنيب الضمير..ام انني قد اثرت شفقتها؟..وقلت وانا اعقد ساعداي امام صدري: هل هي شفقة منك؟..
قالت مايا في سرعة: ابدا..اقسم لك..
ظللت افكر في كل شيء دار بيننا منذ ان رأيتها لاول مرة..الى ان قررت الابتعاد عنهم..ومن ثم الآن..وهي تعتذر لي..وظنت هي ان صمتي تردد مني فقالت برجاء: أنا آسفة حقا..لم اقصد أن اتسبب لك بكل هذه المـ...
قاطعتها وانا أضع سبابتي على شفتي واقول: هذا يكفي يا مايا..انت زميلة عزيزة علي..ولا داعي للاعتذار..
رأيتها تطرق برأسها وتقول: هل هذا يعني انك ترفض ما طلبته منك؟..
قلت مبتسما: بل اوافق..
تطلعت الي بعينان متسعتان ومن ثم قالت بابتسامة واسعة: توافق؟؟..حقا؟؟..هل ستعود الى المجموعة من جديد..لقد افتقدتك كثيرا..
ورأيتها ترتبك وتردف في سرعة: اعني افتقدناك جميعا..
قلت مبتسما: واتمنى ان لا تندموا على افتقادكم لي بعد عودتي اليكم..
قالت مايا بسعادة او هذا ما هُيأ لي وقتها: بل جميع الزملاء سيفرحون بعودتك..
ومنذ ذلك اليوم وقد تغيرت حياتي كليا مع مايا...
صمت طارق للحظة فقالت وعد باصرار: حسنا وبعد..أكمل..
ابتسم طارق وقال وهو يلتفت لها: لقد وصلنا..
قالت وعد بضيق: الا تصل الا في لحظة مهمة كهذه؟..
اتسعت ابتسامة طارق وقال: اخشى ان تشعري بالملل من ما احكيه بعد فترة..
- على العكس لقد بت احيانا اتمنى ان يأتي الغد..لأسمع تتمة الحكاية..
قال طارق بهدوء: حسنا سأكملها لك بعد ان ينتهي اللقاء الصحفي..أعدك..
قالت وعد بابتسامة: اشكرك..
قالتها وهبطا من السيارة الى ذلك المصنع..ليبدآ بعمل اللقاء الصحفي...
ترى هل حقا تحركت مشاعر طارق تجاه وعد؟..
وما مصير هشام وحبه الكبير لوعد؟..
وماذا عن طارق ومايا؟..
كلها اسألة ستعلمون اجوبتها مع مرور الأيام..
مواضيع مماثلة
» قصة حلم حياتي....*الجزء الخامس*
» حلم حياتي....* الجزء السادس عشر*
» قصة حلم حياتي....*الجزء الثاني*
» هذا هو الجزء الثالث من حلم حياتي..
» حلم حياتي .....هذا هو الجزء الرابع ..
» حلم حياتي....* الجزء السادس عشر*
» قصة حلم حياتي....*الجزء الثاني*
» هذا هو الجزء الثالث من حلم حياتي..
» حلم حياتي .....هذا هو الجزء الرابع ..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى