تراث أحواش والأغنية الأمازيغية العصرية
قبل الدخول إلى صلب الموضوع، أود التوضيح أن أحواش كفن ليس هو الرقصة التي نراها في المهرجانات، وفي الحفلات الرسمية، وفي مراسيم الاستقبالات الرسمية في الشوارع.أقول أن ممارسة فن أحواش تقتضي طقوسا خاصة بها من مكان الممارسة " أباراز أو أسايس"، وتوقيتها وعناصرها ومراحلها. فما نراه إذن في تلك الاحتفالات السالفة الذكر لا يخرج في نظري عن نطاق الفلكلرة و التهريج إن صح التعبير، كما تقدم باقي فنون وعناصر ثقافتنا و تراثنا إلى السائح الأجنبي بما في ذلك من تشويه ،واحتقار، وتحريف لتراثنا الثقافي العريق، كما أن فن الروايس كذلك ليس هو ما نراه الآن من مسخ وتحريف. لهذا فما ينطبق على فن أحواش ينطبق كذلك على فن الروايس بعراقة هاذين الفنيين.
أحواش أصل الموسيقى الأمازيغية بسوس
يمكن إذن تعريف فن أحواش بتشكيلة فنية تتكون من بناء إيقاعي، ورقص جماعي، ونظم شعري. وتنتشر هذه التوليفة الموسيقية في مناطق سوس والحوز وبعض مناطق درعة. وهو ما يمكن أن نحده جغرافيا من مدينة أسا جنوبا إلى مدينة دمنات شمالا ،و من المحيط الأطلسي غربا إلى مناطق درعة شرقا. ويتميز هذا الفن بتنوعه حسب المناطق داخل الرقعة الجغرافية المشار إليها آنفا.
هكذا إذن نجد هذا الفن يأخذ مسميات مختلفة حسب المناطق حيث نجد :
· أهنــــــــقـــــــــــار
· أهــــــمــــــــايــــلو
· الـــــــدرســــــــت
· أهيــــــــــــــــاض
· أهـــــــــــــــواري
· أكنــــــــــــــــاوي
تسكيـــــــــــــوين
كما نجد مسميات، تعتمد على معيار الانتماء الجغرافي والقبلي حيث نجد مثلا:
o أحــواش إيمي نتانوت
o أحـــــــواش إســـــافن
o أحـــــــواش تلـــــوات
o أهــــيـــــاض إحاحان
o أهياض آيت بعمران...
والملاحظة الرئيسية المستنبطة من خلال الانتشار الجغرافي لفن أحواش، هي أن هذا الفن ينتشر بمختلف تلاوينه في المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل، ك "إسافن ،" إبركاك" ، "إندوزال"، "إدوكنسوس"، "طاطا"، "ورزازات"،" تلوات"،" إيوريكن"،" إمي نتانوت".....لكن كلما اقتربنا من الساحل، إلا ونجد الاقتصار فقط على نمطين أو نمط واحد هو" أهياض"،فهذا الأخير منتشر بكثرة في سواحل" إحاحان"، "إداوتنان"،" أشتوكن"، "إيمسكين" ، "أكلو" و"آيت بعمران". فما هي إذن خصائص أهياض مقارنة مع باقي أنماط أحواش؟
يقتصر نمط " أهياض" على العنصر الإيقاعي وعلى النفخ على الناي (العواد) ثم الرقص (الركز). أما أنماط أحواش الأخرى فتعتمد بالأساس على الكلمة الشعرية والنظم، وللإشارة فمنطقتي سوس والحوز تتميزان بخاصية فريدة في العالم، وهي أن الشعر بهذه المناطق هو شعر ارتجالي، ثم أنه يكون دائما مقترنا بالموسيقى ،وبالتالي فهو شعر غنائي بالأساس، فلا معنى في هذه المناطق للكلمة الشعرية دون اقترانها بالموسيقى أو ب "أحواش". ونجد أن أنماط "أحواش" الأخرى عكس "أهياض" تعتمد على آلة الطبل (كنكا)، وهذا يدل على أن فن أحواش تأثر بالموسيقى الإفريقية، فهذه الآلة (كنكا)، معروفة في الموسيقى الإفريقية، انتقلت إلى المغرب بفعل الهجرات البشرية الآتية من إفريقيا السوداء لاسيما في العصر السعدي، إذ نجد هذه الآلة تنتشر بالخصوص في المناطق التي كانت ممرات ومحطات للقوافل التجارية، كواحات "طاطا" و" ورزازات" و"زاكورة"، وهذا يؤكد أن فن أحواش خضع لتأثيرات وتأثرات على مر الزمن، وهناك بعض الباحثين الموسيقيين الذين ذهبوا إلى أن الدقة المعروفة بالدقة المراكشية حاليا، ما هي إلى تفرع من أحواش، ويثبتون قولهم هذا بأن هذه الرقصة موجودة بمنطقة "دمنات" بين الأطلسيين المتوسط والكبير، تمارس فيه" الدقة الدمناتية" قريبة من فن أحواش، ومستعملة كلمات وأشعار أمازيغية محضة.
أرشاش.. نظرة مستقبلية لتراث أحواش
لقد شهدت الموسيقى الأمازيغية بسوس تطورات مهمة لاسيما في القرن الماضي، وهكذا وقبل
ظهور المجموعات الموسيقية العصرية كانت الأنماط الموسيقية السائدة قبل الستينات من القرن
الماضي متجلية بالأساس من خلال ثلاث تمظهرات رئيسية حيث نجد بالأساس فن" أحواش" بكل
تلاوينه حسب المناطق، من"أجماك","أهنقار","أدرسي","أهياض",إلى "أهواري" و"أكناوي" اللذين
يمكن إدراجهما ضمن هدا الفن. وكانت الآلات الموسيقية المستعملة عبارة عن آلات إيقاعية بالأساس
(كانكا- ألون – تكنزا - أكوال -...)، إضافة إلى آلات نفخية (الناي المحلي).كما تجلى النمط الموسيقي
الأخر السائد آنذاك في فن" تيرويسا" الذي سطع نجمه مع الرايس الحاج بلعيد،بوبكر أزعري ،الحسين
جانطي،عمر وهروش ،بوبكرأنشاد،صفية ءولت تلوات وآخرين.
أما النمط الثالث و الذي قلما وجدنا فيه أبحاثا , فيتعلق بما يسمى "تمهضرين. و هو عبارة عن
مجموعة من النساء يستعملن آلات إيقاعية، و ينشدن قصائد اجتماعية و عاطفية، ويحيين أفراحا
كالأعراس و غيرها من المناسبات، كما أن النساء تمارسن كذلك فنا يسمى "أكراو"، يعتمد بالأساس
على الإنشاد الديني، وهذا النمط مختلف تماما عن مشاركة العنصر النسائي في"أحواش".
لقد تأسست مجموعة "أرشاش" أواخر السبعينيات من القرن الماضي, بعدما كان أفرادها
يمارسون ضمن مجموعات غنائية أخرى ك" ازماز" .و ما يميز مدرسة أرشاش الغنائية ،هو
استفادتها من المادة الخام لمجموعة" اٍزنزارن" وتطويرها ذلك باقتحام مقامات و إيقاعات موسيقية ،
مستمدة من "أحواش" وكذا توظيف التراث الشعري الأمازيغي القديم.
و استطاعت مجموعة "أرشاش" إحداث تغيير من حيث الكلمة و الموضوع، كما قامت بتوظيف
شكل الإلقاء الغنائي في" أسايس"( و هو ميدان إقامة "أحواش"). وقد ساعدها على ذلك انتماء كل
أفراد المجموعة،إلى منطقتي" اٍسافن" -قرب طاطا- و تفراوت، المعروفتين بالانتشار الواسع ل"
أحواش" و للشعر الأمازيغي.
كما تعتبر أرشاش منبعا للعديد من الفنانين الأمازيغيين , الذين تمدهم بالقصائد الغنائية و الأشعار، و
يعتبر إصدار ديوان" أغبالو" أو الينبوع ، للفنان مولاي علي شوهاد وهو أحد أعضاء المجموعة ,
خطوة أولى لتوثيق الذاكرة التراثية لهذه المجموعة الأمازيغية العريقة.
و كانت الخاصية المميزة لمجموعة "أرشاش" ،هو انحدار جل عناصرها من جبال سوس –
ئيدرارن سوس– ،وبالضبط من قبيلة "إبركاك"، بمنطقة "إسافن" بالأطلس الصغير، بين حاضرتي
طاطا وتارودانت. ومن المعروف أن المنطقة تمتاز بالانتشار الواسع لفن أحواش، وبالارتباط الوثيق
لسكان المنطقة بهذا النمط الفني المتجذر في التاريخ، وكذا اشتهار المنطقة بالشعر ،والكلمة الموزونة
،من خلال مجموعة من الشعراء أو" اٍنظامن" . و يعتبر المرحوم عزيز الهراس أحد الرواد الذين
ساهموا في تأسيس هده المجموعة ،و هو ينتمي لمنطقة تفراوت القريبة جغرافيا من إسافن، وقد أعطى
انتماء هذا العنصر إضافة نوعية ل "أرشاش" ،بحكم اٍنتمائه إلى أسرة فنية عريقة و معروفة بالمنطقة.
مع تحيات أختكم حبيبة